الكشف والعلاجات والاستشارات الاتصال بالشيخ الدكتور أبو الحارث (الجوال):00905397600411
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
X

تعرف على تفسير سورة القلم :

السور والآيات والأسماء الحسنى

 
  • تصفية
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة



    تفسير سورة القلم
    مَكِّيَّةٌ، وَهِيَ اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ ءَايَةً

    مُنَاسَبَةُ هَذِهِ السُّورَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ فِيمَا قَبْلَهَا ذَكَرَ اللَّهُ أَشْيَاءَ مِنْ أَحْوَالِ السُّعَدَاءِ وَالأَشْقِيَاءِ، وَذَكَرَ قُدْرَتَهُ الْبَاهِرَةَ وَعِلْمَهُ الْوَاسِعَ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَخَسَفَ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ لأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ حَاصِبًا، وَكَانَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هُوَ مَا تَلَقَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يَنْسُبُونَهُ مَرَّةً إِلَى الشِّعْرِ وَمَرَّةً إِلَى السِّحْرِ وَمَرَّةً إِلَى الْجُنُونِ، فَبَدَأَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ بِبَرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا كَانُوا يَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ مِنَ الْجُنُونِ، وَتَعْظِيمِ أَجْرِهِ عَلَى صَبْرِهِ عَلَى أَذَاهُمْ وَبِالثَّنَاءِ عَلَى خُلُقِهِ الْعَظِيمِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:


    ï´؟نï´¾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ بِإِظْهَارِ النُّونِ أَيْ بِفَكِّ الإِدْغَامِ مِنْ وَاوِ الْقَسَمِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَيَعْقُوبُ بِإِدْغَامِ النُّونِ فِي الْوَاوِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالأَعْمَشُ: ï´؟نُونِ وَالْقَلَمِï´¾ بِكَسْرِ النُّونِ، وَهُوَ أَحَدُ حُرُوفِ الْهِجَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ بِهِ ï´؟وَالْقَلَمِï´¾ الْوَاوُ وَاوُ الْقَسَمِ، أَيْ يُقْسِمُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِالْقَلَمِ، وَالْقَلَمُ مَعْرُوفٌ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ رَبُّنَا مِنَ الأَقْلاَمِ الْقَلَمُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَرَهُ فَجَرَى بِكِتَابَةِ جَمِيعِ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الآجَالِ وَالأَعْمَالِ وَالأَرْزَاقِ وَغَيْرِهَا ï´؟وَمَا يَسْطُرُونَï´¾ أَيْ وَمَا يَكْتُبُونَ، وَالْمَعْنَى مَا تَكْتُبُهُ الْمَلاَئِكَةُ الْحَفَظَةُ مِنَ أَعْمَالِ بَنِي ءَادَمَ.



    ï´؟مَآ أَنتَï´¾ يَا مُحَمَّدُ ï´؟بِنِعْمَةِ رَبِّكَï´¾ أَيْ بَسَبَبِ نِعْمَةِ رَبِّكَ عَلَيْكَ بِالإيِمَانِ وَالْبَنِينِ وَالنُّبُوَّةِ وَغَيْرِهِا ï´؟بِمَجْنُونٍï´¾ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ مَجْنُونٌ شَيْطَانٌ، فَنَزَلَتْ: ï´؟مَآ أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍï´¾ أَيْ وَمَا أَنْتَ بِإِنْعَامِ رَبِّكَ عَلَيْكَ بِالإيِمَانِ وَالنُّبُوَّةِ بِمَجْنُونٍ، وَنِعَمُ اللَّهِ ظَاهِرَةٌ عَلَيْكَ مِنَ الْفَصَاحَةِ التَّامَّةِ وَالْعَقْلِ الْكَامِلِ وَالسِّيرَةِ الْمُرْضِيَةِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ وَالأَخْلاَقِ الْحَمِيدَةِ، وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ وَتَكْذِيبٌ لِلْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ مَجْنُونٌ.

    ï´؟وَإِنَّ لَكَï´¾ يَا مُحَمَّدُ ï´؟لأَجْرًاï´¾ أَيْ ثَوَابًا مِنَ اللَّهِ عَظِيمًا عَلَى صَبْرِكَ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاكَ فَلاَ يَمْنَعُكَ مَا قَالُوا عَنْ دُعَاءِ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ï´؟غَيْرَ مَمْنُونٍï´¾ أَيْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ وَلاَ مَقْطُوعٍ.



    ï´؟وَإِنَّكَï´¾ يَا مُحَمَّدُ ï´؟لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍï´¾ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبِيهَا قَالَتْ: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْءَانُ»، وَالْمَعْنَى: إِنَّكَ لَعَلَى الْخُلُقِ الَّذِي أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ فِي الْقُرْءَانِ.

    ï´؟فَسَتُبْصِرُï´¾ أَيْ فَسَتَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ ï´؟وَيُبْصِرُونَï´¾ وَسَيَعْلَمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَذَا وَعِيدٌ لَهُمْ.

    ï´؟بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُï´¾ فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ الْمَجْنُونُ أَبِالْفِرْقَةِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْ بِالْفِرْقَةِ الأُخْرَى، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

    ï´؟إِنَّ رَبَّكَï´¾ يَا مُحَمَّدُ ï´؟هُوَ أَعْلَمُï´¾ أَيْ عَالِمٌ ï´؟بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِï´¾ أَيْ حَادَ عَنْ دِينِهِ ï´؟وَهُوَï´¾ أَيِ اللَّهُ ï´؟أَعْلَمُï´¾ أَيْ عَالِمٌ ï´؟بِالْمُهْتَدِينَï´¾ الَّذِي هُمْ عَلَى الْهُدَى فَيُجَازِي كُلاًّ غَدًا بِعِلْمِهِ.



    ï´؟فَلاَ تُطِعِï´¾ يَا مُحَمَّدُ وَذَلِكَ أَنَّ رُؤَسَاءَ أَهْلِ مَكَّةَ دَعَوْهُ إِلَى دِينِهِمْ ï´؟الْمُكَذِّبِينَï´¾ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنَ الْوَحْيِ وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ طَوَاعِيَتِهِمْ فِي شَىْءٍ مِمَّا كَانُوا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِ مِنَ الْكَفِّ عَنْهُمْ لِيَكُفُّوا عَنْهُ وَمِنْ تَعْظِيمِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

    ï´؟وَدُّواï´¾ أَيْ تَمَنَوْا ï´؟لَوْ تُدْهِنُï´¾ أَيْ تَلِينُ لَهُمْ ï´؟فَيُدْهِنُونَï´¾ أَيْ يَلِينُونَ لَكَ، وَمَعْنَى الآيَةِ أَنَّهُمْ تَمَنَوْا أَنْ تَتْرُكَ بَعْضَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِمَّا لاَ يَرْضَوْنَهُ مُصَانَعَةً لَهُمْ فَيَفْعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَتْرُكُوا بَعْضَ مَا لاَ تَرْضَى بِهِ فَتَلِينُ لَهُمْ وَيَلِينُوا لَكَ.

    ï´؟وَلا تُطِعْï´¾ أَيْ يَا مُحَمَّدُ ï´؟كُلَّ حَلاَّفٍï´¾ أَيْ كُلَّ ذِي إِكْثَارٍ لِلْحَلِفِ بِالْبَاطِلِ ï´؟مَّهِينٍï´¾ أَيْ حَقِيرٍ فِي الرَّأْيِ وَالتَّمْيِيزِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَهِينٌ أَيْ كَذَّابٌ لأِنَّ الإِنْسَانَ إِنَّمَا يَكْذِبُ لِمَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ.


    قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي مَا نَصُّهُ : "اخْتُلِفَ فِي الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ فَقِيلَ: هُوَ الْوَلِيدُ بنُ الْمُغِيرَةِ وَذَكَرَهُ يَحْيَى بنُ سَلاَمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: الأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ يَغُوثَ ذَكَرَهُ سُنَيْدُ بنُ دَاوُدَ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقِيلَ: الأَخْنَسُ بنُ شَرِيقٍ وَذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ عَنِ الْقُتَيْبِيِّ، وَحَكَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ: يُقَالُ: هُوَ الأَخْنَسُ، وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ الأَسْوَدُ وَلَيْسَ بِهِ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَبْدُ ظ±لرَّحْمـظ°نِ بنُ الأَسْوَدِ فَإِنَّهُ يَصْغُرُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَسْلَمَ، وَذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ" ا.هـ.

    ï´؟هَمَّازٍï´¾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "هُوَ الْمُغْتَابُ"، وَالْغِيبَةُ ذِكْرُكَ أَخَاكَ الْمُسْلِمَ بِمَا يَكْرَهُ مِمَّا فِيهِ فِي خَلْفِهِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ».



    ï´؟مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍï´¾ أَيْ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ لِيُفْسِدَ بَيْنَهُمْ، وَالنَّمِيمَةُ هِيَ نَقْلُ الْقَوْلِ لِلإِفْسَادِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ] ، وَالْقَتَّاتُ هُوَ النَّمَّامُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لاَ يَدْخُلُهَا مَعَ الأَوَّلِينَ.

    ï´؟مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِï´¾ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخَيْرَ هُنَا يُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ خَيْرٌ، قَالَهُ أَبُو حَيَّانَ، وَقِيلَ: بَخِيلٍ بِالْمَالِ، وَقِيلَ: يَمْنَعُ وَلَدَهُ وَعَشِيرَتَهُ عَنِ الإِسْلاَمِ يَقُولُ لَهُمْ مَنْ دَخَلَ مِنْكُمْ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ لاَ أَنْفَعُهُ بِشَىءٍ أَبَدًا.

    ï´؟مُعْتَدٍï´¾ أَيْ عَلَى النَّاسِ فِي الظُّلْمِ مُتَجَاوِزٍ لِلْحَدِّ صَاحِبِ بَاطِلٍ ï´؟أَثِيمٍï´¾ كَثِيرِ الآثَامِ.


    ï´؟عُتُلٍّï´¾ أَيِ الْغَلِيظِ الْجَافِي، وَقِيلَ: الَّذِي يَعْتُلُ النَّاسَ أَيْ يَحْمِلُهُمْ وَيَجُرُّهُمْ إِلَى مَا يَكْرَهُونَ مِنْ حَبْسٍ وَضَرْبٍ، وَقِيلَ: الشَّدِيدِ الْخُصُومَةِ بِالْبَاطِلِ، وَقِيلَ: الْفَاحِشِ اللَّئِيمِ، وَقِيلَ: الأَكُولِ الشَّرُوبِ الْغَشُومِ الظَّلُومِ.

    ï´؟بَعْدَï´¾ أَيْ مَعَ ï´؟ذَلِكَï´¾ فَهُوَ ï´؟زَنِيمٍï´¾ وَالْمَعْنَى: مَعَ مَا وَصَفَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ فَهُوَ زَنِيمٌ، وَالزَّنِيمُ هُوَ الدَّعِيُّ فِي قُرَيْشٍ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِالشَّرِّ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ بِزَنَمَتِهَا وَهِيَ الْمُتَدَلِيَّةُ مِنْ أُذُنِهَا وَمِنَ الْحَلْقِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟عُتُلٍّبَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍï´¾ قَالَ: "رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ زَنَمَةٌ مِثْلُ زَنَمَةِ الشَّاةِ" ا.هـ.

    وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ حَارِثَةَ بنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ»، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ï´؟وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍï´¾ فَلَمْ نَعْرِفْهُ - أَيْ لِلْوَلِيدِ بنِ الْمُغِيرَةِ - حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ï´؟زَنِيمٍï´¾ فَعَرَفْنَاهُ لَهُ زَنَمَةٌ كَزَنَمَةِ الشَّاةِ.



    ï´؟أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينٍï´¾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَنَافِعٌ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: ï´؟أَنْ كَانَï´¾ عَلَى الْخَيْرِ، أَيْ لأَنْ كَانَ، وَالْمَعْنَى لاَ تُطِعْهُ لِمَالِهِ وَبَنِيهِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِهَمْزَتَيْنِ: الأُولَى مُخَفَّفَةٌ وَالثَّانِيَةُ مُلَيَّنَةٌ، وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ أَبُو جَعْفَرٍ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ: "أَأَنْ كَانَ" بِهَمْزَتَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ عَلَى الاِسْتِفْهَامِ، وَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ تُطِيعُهُ وَهَذَا تَقْرِيعٌ لِهَذَا الْحَلاَّفِ الْمَهِين، وَالثَّانِي: أَلأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينٍ.

    ï´؟إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءايَاتُنَاï´¾ أَيِ الْقُرْءَانِ ï´؟قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَï´¾ أَيْ قَالَ: أَبَاطِيلُهُمْ وَتُرَّهَاتُهُمْ وَخُرَافَاتُهُمْ، وَهَذَا الَّذِي قَالَ إِنَّمَا هُوَ اسْتِهْزَاءٌ بِآيَاتِ اللَّهِ وَإِنْكَارٌ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.



    وَلَمَّا ذَكَرَ قَبَائِحَ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ ذَكَرَ مَا يُفْعَلَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَعُّدِ فَقَالَ تَعَالَى:

    ï´؟سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِï´¾ السِّمَةُ: الْعَلاَمَةُ، وَالْخُرْطُومُ: الأَنْفُ، وَالْمَعْنَى: سَنُبَيِّنُ أَمْرَهُ بَيَانًا وَاضِحًا حَتَّى يَعْرِفُوهُ فَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِمْ كَمَا لاَ تَخْفَى السِّمَةُ عَلَى الْخُرْطُومِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: سَنَجْعَلُ عَلَى أَنْفِهِ عَلاَمَةً يُعَيَّرُ بِهَا مَا عَاشَ، فَخُطِمَ بِالسَّيْفِ، يُقَالُ خَطَمَهُ إِذَا أَثَّرَ فِي أَنْفِهِ جِرَاحَةٌ، فَجُمِعَ لَهُ مَعَ بَيَانِ عُيُوبِهِ لِلنَّاسِ الْخَطْمُ بِالسَّيْفِ، وَقَالَ ءَاخَرُونَ: لَزِمَهُ عَارٌ لاَ يَنْمَحِي عَنْهُ وَلاَ يُفَارِقُهُ.

    ï´؟إِنَّا بَلَوْنَاهُمْï´¾ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ امْتَحَنَّاهُمْ وَاخْتَبَرْنَاهُمْ، وَالْمَعْنَى: أَعْطَيْنَاهُمْ أَمْوَالاً لِيَشْكُرُوا لاَ لِيَبْطَرُوا فَلَمَّا بَطِرُوا وَعَادَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَلَيْنَاهُمْ بِالْجُوعِ وَالْقَحْطِ ï´؟كَمَا بَلَوْنَآï´¾ أَيِ امْتَحَنَّا ï´؟أَصْحَابَ الْجَنَّةِï´¾ أَيْ أَصْحَابَ الْبُسْتَانِ ï´؟إِذْ أَقْسَمُواï´¾ وَحَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ï´؟لَيَصْرِمُنَّهَاï´¾ أَيْ لَيَقْطَعَنَّ ثَمَرَهَا ï´؟مُصْبِحِينَï´¾ أَيْ وَقْتَ الصَّبَاحِ كَيْ لاَ يَشْعُرَ بِهِمُ الْمَسَاكِينُ فَلاَ يُعْطَوْنَ مَا كَانَ أَبُوهُمْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْهَا.

    ï´؟وَلا يَسْتَثْنُونَï´¾ أَيْ لاَ يَقُولُونَ: "إِنْ شَاءَ اللَّهُ" بَلْ عَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ عَزْمَ مَنْ يَمْلِكُ أَمْرَهُ.


    أَمَّا قِصَّةُ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَهِيَ الْبُسْتَانُ فَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَنَّ رَجُلاً كَانَ بِنَاحِيَةِ الْيَمَنِ بِهِ بُسْتَانٌ وَكَانَ مُؤْمِنًا وَذَلِكَ بَعْدَ سَيِّدِنَا عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَكَانَ يَجْعَلُ عِنْدَ الْحَصَادِ نَصِيبًا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَكَانَ يَجْتَمِعُ مِنْ هَذَا شَىءٌ كَثِيرٌ، فَلَمَّا مَاتَ الأَبُ وَرِثَهُ ثَلاَثَةُ بَنِينَ لَهُ وَقَالُوا: "وَاللَّهِ إِنَّ الْمَالَ لَقَلِيلٌ وَإِنَّ الْعِيَالَ لَكَثِيرٌ وَإِنَّمَا كَانَ أَبُونَا يَفْعَلُ هَذَا الأَمْرَ إِذْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا وَالْعِيَالُ قَلِيلاً، وَأَمَّا إِذَا قَلَّ الْمَالُ وَكََثُرَ الْعِيَالُ فَإِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَفْعَلَ هَذَا"، فَعَزَمُوا عَلَى حِرْمَانِ الْمَسَاكِينِ وَتَحَالَفُوا بَيْنَهُمْ يَوْمًا لَيَغْدُوَّنَ غَدْوَةً قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ لِيَقْطَعُوا ثَمَرَ الْبُسْتَانِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَجَدُوهُ قَدِ احْتَرَقَ وَصَارَ كَاللَّيْلِ الأَسْوَدِ.

    ï´؟فَطَافَï´¾ أَيْ طَرَقَ ï´؟عَلَيْهَاï´¾ أَيِ الْجَنَّةِ وَهِيَ الْبُسْتَانُ ï´؟طَآئِفٌï´¾ أَيْ طَارِقٌ ï´؟مِّن رَّبِّكَï´¾ أَيْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ï´؟وَهُمْ نَآئِمُونَï´¾ وَمْعَنَى الآيَةِ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ عَلَى الْبُسْتَانِ نَارًا فَاحْتَرَقَ فَصَارَ أَسْوَدَ.



    ï´؟فَأَصْبَحَتْï´¾ فَصَارَتْ جَنَّتُهُمْ أَيْ بُسْتَانُهُمْ ï´؟كَالصَّريِمِï´¾ كَاللَّيْلِ الأَسْوَدِ بِسَبَبِ احْتِرَاقِ الْبُسْتَانِ، وَقِيلَ: صَارَتْ كَالرَّمَادِ الأَسْوَدِ.

    ï´؟فَتَنادَوْاï´¾ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ وَهُمْ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَيْ دَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى الْمُضِيِّ إِلَى مِيعَادِهِمْ ï´؟مُصبِحينï´¾ يَعْنِي لَمَّا أَصْبَحُوا.

    ï´؟أَنِ اغْدُواï´¾ أَيْ بَاكِرُوا بِالْخُرُوجِ وَقْتَ الْغَدَاةِ ï´؟عَلَى حَرْثِكُمْï´¾ يَعْنِي الثِّمَارَ وَالزَّرْعَ ï´؟إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَï´¾ أَيْ قَاطِعِينَ ثِمَارَكُمْ.

    ï´؟فَانْطَلَقُواï´¾ أَيْ مَضَوْا وَذَهَبُوا إِلَى حَرْثِهِمْ ï´؟وَهُمْ يَتَخَافَتُونَï´¾ أَيْ يَتَسَارُّونَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُخْفُونَ كَلاَمَهُمْ وَيُسِرُّونَهُ لِئَلاَّ يَعْلَمَ بِهِمْ أَحَدٌ.

    ï´؟أَنْ لاَ يَدْخُلَنَّهَاï´¾ أَيْ يَتَخَافَتُونَ وَيَقُولُونَ: لاَ يَدْخُلَنَّهَا أَيِ الْجَنَّةَ ï´؟الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌï´¾ وَالنَّهْيُ عَنِ الدُّخُولِ نَهْيٌّ عَنِ التَّمْكِينِ مِنْهُ أَيْ لاَ تُمَكِّنُوهُمْ مِنَ الدُّخُولِ فَيَدْخُلُوا.


    ï´؟وَغَدَوْاï´¾ أَيْ سَارُوا إِلَى جَنَّتِهِمْ غَدْوَةً ï´؟عَلَى حَرْدٍï´¾ أَيْ عَلَى قُدْرَةٍ، وَفُسِّرَ الْحَرْدَ بِالْقَصْدِ أَيْ غَدَوْا عَلَى أَمْرٍ قَدْ قَصَدُوهُ وَاعْتَمَدُوهُ وَاسْتَسَرُّوهُ بَيْنَهُمْ وَهُمْ يَظُنُّونَ فِي أَنْفُسِهِمُ الْقُدْرَةَ عَلَى صَرْمِهَا وَأَنَّهُمْ تَمَكَّنُوا مِنْ مُرَادِهِمْ، وَفُسِّرَ الْحَرْدُ بِالْمَنْعِ أَيْ مَنْعِ الْفُقَرَاءِ وَفِي ظَنِّهِمُ الْقُدْرَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ï´؟قَادِرِينَï´¾ أَيْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى جَنَّتِهِمْ وَثِمَارِهَا لاَ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا أَحَدٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّقْدِيرِ بِمَعْنَى التَّضْيِيقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُï´¾ [سُورَةَ الْفَجْرِ] أَيْ مُضَيِّقِينَ عَلَى الْمَسَاكِينِ إِذْ حَرَمُوهُمْ مَا كَانَ أَبُوهُمْ يُنِيلُهُمْ مِنْهَا، قَالَهُ أَبُو حِبَّانَ.

    ï´؟فَلَمَّا رَأَوْهَاï´¾ أَيْ فَلَمَّا صَارَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ إِلَى بُسْتَانِهِمْ وَرَأَوْهَا مُحْتَرِقًا حَرْثُهَا أَنْكَرُوهَا وَشَكُّوا فِيهَا هَلْ هِيَ جَنَّتُهُمْ أَمْ لاَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا الطَّرِيقَ وَتَاهُوا وَأَنَّ الَّتِي رَأَوْا غَيْرُهَا ï´؟قَالُوا إِنَّاï´¾ أَيُّهَا الْقَوْمُ ï´؟لَضَآلُّونَï´¾ أَيْ لَمُخْطِئُونَ الطَّرِيقَ إِلَى جَنَّتِنَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ جَنَّتَنَا، ثُمَّ وَضَحَ لَهُمْ أَنَّهَا هِيَ وَأَنَّهُ أَصَابَهَا مِنَ عَذَابِ اللَّهِ مَا أَذْهَبَ خَيْرَهَا، وَقِيلَ: أَيْ إِنَّا لَضَالُّوَن عَنِ الصَّوَابِ فِي غُدُوِّنَا عَلَى نِيَّةِ مَنْعِ الْمَسَاكِينِ فَلِذَلِكَ عُوقِبْنَا.



    ï´؟بَلْ نَحْنُï´¾ أَيُّهَا الْقَوْمُ ï´؟مَحْرُومُونَï´¾ أَيْ حُرِمْنَا خَيْرَهَا وَنَفْعَهَا بِمَنْعِنَا الْفُقَراَءَ مِنْهَا.

    ï´؟قَالَ أَوْسَطُهُمْï´¾ أَيْ قَالَ أَفْضَلُهُمْ قَوْلاً وَأَرْجَحُهُمْ عَقْلاً: ï´؟أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلاَï´¾ أَيْ هَلاَّ ï´؟تُسَبِّحُونَï´¾ أَيْ تَقُولُونَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ" وَتَشْكُرُونَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ. فَقَدْ أَنَّبَهُمْ أَخُوهُمْ وَوَبَّخَهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ مَا حَضَّهُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَسْبِيحِ اللَّهِ أَيْ ذِكْرِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَنِ السُّوءِ، وَلَوْ ذَكَرُوا اللَّهَ وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ لاَمْتَثَلُوا مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ مُوَاسَاةِ الْمَسَاكِينِ وَاقْتَفَوْا سُنَّةَ أَبِيهِمْ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا غَفَلُوا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَزَمُوا عَلَى مَنْعِ الْمَسَاكِينِ ابْتَلاَهُمُ اللَّهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوْسَطَهُمْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ وَحَرَّضَهُمْ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: "لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ" أَيْ تَسْتَثْنُونَ إِذْ قُلْتُمْ ï´؟لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَï´¾ فَتَقُولُوا: "إِنْ شَاءَ اللَّهُ"، وَقِيلَ: لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ أَيْ تَذْكُرُونَ اللَّهَ وَتَتُوبُونَ إِلَيْهِ مِنْ خُبْثِ نِيَّتِكُمْ، وَلَمَّا أَنَّبَهُمْ رَجَعُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالظُّلْمِ وَبَادَرُوا إِلَى تَسْبِيحِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

    ï´؟قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَاï´¾ أَيْ نَزَّهُوا اللَّهَ عَنْ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا فِيمَا فَعَلَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَيْ نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَنْبِنَا"، ï´؟إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَï´¾ أَيْ لأِنْفُسِنَا مِنْ مَنْعِنَا الْمَسَاكِينَ مِنْ ثَمَرِ جَنَّتِنَا.



    ï´؟فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَï´¾ أَيْ يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يَقُولُ هَذَا لِهَذَا: "أَنْتَ أَشَرْتَ عَلَيْنَا بِهَذَا الرَّأْيِ"، وَيَقُولُ ذَلِكَ لِهَذَا: "أَنْتَ خَوَّفْتَنَا مِنَ الْفَقْرِ"، وَيَقُولُ الثَّالِثُ لِغَيْرِهِ: "أَنْتَ رَغَّبْتَنَا فِي جَمْعِ الْمَالِ"، ثُمَّ نَادَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْوَيْلِ.

    ï´؟قَالُوا يَا وَيْلَنَاï´¾ أَيْ هَلاَكَنَا ï´؟إِنَّا كُنَّا طَاغِينَï´¾ أَيْ مُخَالِفِينَ أَمْرَ اللَّهِ فِي تَرْكِنَا الاِسْتِثْنَاءَ وَمَنْعِنَا حَقَّ الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ رَجَوُا انْتِظَارَ الْفَرَجِ فِي أَنْ يُبَدِّلَهُمْ خَيْرًا مِنْ تِلْكَ الْجَنَّةِ فَقَالُوا:

    ï´؟عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَاï´¾ أَيْ مِنْ هَذَهِ الْجَنَّةِ ï´؟إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَï´¾ أَيْ طَالِبُونَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُبْدِلَنَا مِنْ جَنَّتِنَا إِذْ هَلَكَتْ خَيْرًا مِنْهَا.



    ï´؟كَذَلِكَ الْعَذَابُï´¾ أَيْ عَذَابُ الدُّنْيَا الَّذِي بَلَوْنَا بِهِ أَصْحَابَ الْبُسْتَانِ مِنْ إِهْلاَكِ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ إِذْ أَصْبَحَتْ جَنَّتُهُمْ أَيْ بُسْتَانُهُمْ كَالصَّريِمِ.

    ï´؟وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُï´¾ يَعْنِي عُقُوبَةُ الآخِرَةِ لِمَنْ عَصَى رَبَّهُ وَكَفَرَ بِهِ أَكْبَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عُقُوبَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِهَا ï´؟لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَï´¾ أَيْ لَوْ كَانَ هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ عُقُوبَةَ اللَّهِ لأَِهْلِ الشِّرْكِ بِهِ أَكْبَرُ مِنْ عُقُوبَتِهِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا لاَرْتَدَعُوا وَتَابُوا وَأَنَابُوا.

    ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا أَعَدَّ لِلْمُتَّقِينَ فَقَالَ: ï´؟إِنَّ لِلْمُتَّقينَï´¾ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُجْتَنِبِينَ لِلشِّرْكِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ، وَالتَّقِيُّ هُوَ الَّذِي أَدَّى مَا فَرَضَهُ اللَّهُ وَاجْتَنَبَ مَا حَرَّمَهُ، فَهَؤُلاَءِ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ ï´؟عِنْدَ رَبِّهِمْï´¾ فِي الآخِرَةِ ï´؟جَنَّاتِ النَّعِيمِï´¾ أَيِ النَّعِيمَ الدَّائِمَ الَّذِي لاَ يَشُوبُهُ مَا يُنَغِّصُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ï´؟إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًاï´¾ [سُورَةَ الْكَهْفِ]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتَمَخَّطُونَ» قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: «جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ»، وَقَالَ أَيْضًا: «يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْأَسُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ï´؟وَنُودُواْ أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَï´¾ [سُورَةَ الأَعْرَافِ] » [رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ].


    وَلَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّا لَنُعْطَى فِي الآخِرَةِ أَفْضَلُ مِمَّا تُعْطَوْنَ قَالَ تَعَالَى مُكَذِّبًا لَهُمْ:

    ï´؟أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَï´¾ أَيْ لاَ يَتَسَاوَى عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَذَلُّوا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالْكَافِرِينَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ فِيهِ تَوْقِيفٌ عَلَى خَطَإِ مَا قَالُوا وَتَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ لِلْكُفَّارِ.

    ثُمَّ وَبَّخَهُمْ فَقَالَ: ï´؟ما لكُمْï´¾ أَيْ أَيُّ شَىءٍ لَكُمْ فِيمَا تَزْعُمُونَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ عَلَيْهِمْ ï´؟كَيْفَ تَحكُمونَï´¾ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ ثَالِثٌ عَلَى سَبِيلِ الإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وَمَعْنَى الآيَةِ: كَيْفَ تَحْكُمُونَ هَذَا الْحُكْمَ الْفَاسِدَ، كَأَنَّ أَمْرَ الْجَزَاءِ مُفَوَّضٌ إِلَيْكُمْ حَتَّى تَحْكُمُوا فِيهِ بِمَا شِئْتُمْ أَنَّ لَكُمْ مِنَ الْخَيْرِ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا إِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ صَادِرٌ مِنِ اخْتِلاَلِ فِكْرٍ وَاعْوِجَاجٍ رَأْيٍ.



    ï´؟أَمْ لَكُمْï´¾ أَيْ أَلَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ بِتَسْوِيَتِكُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُجْرِمِينَ فِي الْجَزَاءِ وَالْمَنْزِلَةِ ï´؟كِتَابٌï´¾ أُنْزِلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَتَاكُمْ بِهِ رَسُولٌ مِنْ رُسُلِهِ ï´؟فِيهِ تَدْرُسُونَï´¾ أَيْ تَقْرَءُونَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ ï´؟إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَï´¾ أَيْ إِنَّ مَا تَخْتَارُونَهُ وَتَشْتَهُونَهُ لَكُمْ كَمَا زَعَمْتُمْ. وَقَرَأَ أَبُو الْجَوْزَاءِ وَأَبُو عِمْرَانَ: ï´؟أَنَّ لَكُمْï´¾ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ.

    ï´؟أَمْ لَكُمْï´¾ أَيْ أَلَكُمْ ï´؟أَيْمَانٌ عَلَيْنَاï´¾ أَيْ أَقْسَامٌ وَعُهُودٌ وَمَوَاثِيقُ عَاهَدْنَاكُمْ عَلَيْهَا فَاسْتَوْثَقُتْمْ بِهَا مِنَّا بَالِغَةٌ أَيْ ï´؟بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِï´¾ مُؤَكَّدَةٌ تَنْتَهِي بِكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ تَنْقَطِعُ تِلْكَ الأَيْمَانُ وَالْعُهُودُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ï´؟إِنَّ لَكُمْï´¾ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ ï´؟لَمَا تَحْكُمُونَï´¾ أَيْ حُكْمَكُمْ، وَالْقُرَّاءُ عَلَى رَفْعِ: ï´؟بَالِغَةٌï´¾ إِلاَّ الْحَسَنُ فَإِنَّهُ نَصَبَهَا عَلَى مَذْهَبِ الْمَصْدَرِ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ:



    ï´؟سَلْهُمْï´¾ أَيْ سَلْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكِينَ وَقُلْ لَهُمْ ï´؟أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌï´¾ الزَّعِيمُ: الْكَفِيلُ، أَيْ أَيُّهُمْ كَفِيلٌ وَضَامِنٌ بِأَنَّ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ مَا لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخَيْرِ ï´؟أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُï´¾ وَفِي تَفْسِيرِهِ وَجْهَانِ:

    الأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْنَى أَمْ لَهُمْ أَشْيَاءُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا شُرَكَاءُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ أُولَئِكَ الشُّرَكَاءَ يَجْعَلُونَهُمْ فِي الآخِرَةِ مِثْلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّوَابِ وَالْخَلاَصِ مِنَ الْعِقَابِ، وَإِنَّمَا أَضَافَ الشُّرَكَاءَ إِلَيْهِمْ لأِنَّهُمْ هُمْ جَعَلُوهَا شُرَكَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى.

    الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى أَمْ لَهُمْ نَاسٌ يُشَارِكُونَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُجْرِمِ وَأَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخَيْرِ فِي الآخِرَةِ.



    ï´؟فَلْيَأْتُواï´¾ هَذَا أَمْرٌ مَعْنَاهُ التَّعْجِيزُ أَيْ لاَ أَحَدَ يَقُولُ بِقَوْلِهِمْ كَمَا أَنَّهُ لاَ كِتَابَ لَهُمْ وَلاَ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ وَلاَ زَعِيمَ لَهُمْ يَضْمَنُ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ بِهَذَا ï´؟بِشُرَكَآئِهِمْï´¾ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا زَعَمُوا ï´؟إِن كَانُوا صَادِقِينَï´¾ فِي دَعْوَاهُمْ.

    إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَبْطَلَ قَوْلَهُمْ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لاَ وَجْهَ لِصِحَّتِهِ أَصْلاً أَخْبَرَ عَنْ عَظَمَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: ï´؟يَوْمَï´¾ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ï´؟يُكْشَفُ عَن سَاقٍï´¾ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الأَمْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، يُقَالُ: "كَشَفَتِ الْحَرْبُ عَنْ سَاقٍ إِذَا اشْتَدَّ الأَمْرُ فِيهَا"، وَثَبَتَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ تَرْجُمَانِ الْقُرْءَانِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذَهِ الآيَةِ: "عَنْ شِدَّةٍ مِنَ الأَمْرِ"، وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "هُوَ يَوْمُ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ". وَقَالَ أَهْلُ الْبَاطِلِ مِنَ الْمُشَبِّهَةِ إِنَّ لِلَّهِ سَاقًا يَكْشِفُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، قَالَ الإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ مِنْ رُءُوسِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي عَقِيدَتِهِ الَّتِي هِيَ عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: "وَتَعَالَى - أَيِ اللَّهُ - عَنِ الْحُدُودِ وَالْغَايَاتِ وَالأَرْكَانِ وَالأَعْضَاءِ وَالأَدَوَاتِ" ا.هـ.




    ï´؟وَيُدْعَوْنَï´¾ أَيِ الْكُفَّاُر ï´؟إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَï´¾ كَأَنَّ فِي ظُهُورِهِمْ سَفَافِيدَ الْحَدِيدِ، وَالدُّعَاءُ إِلَى السُّجُودِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ التَّكْلِيفِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ وَعِنْدَمَا يُدْعُونَ إِلَى السُّجُودِ سُلِبُوا الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الاِسْتِطَاعَةِ حَتَّى يَزْدَادَ حُزْنُهُمْ وَنَدَمُهُمْ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِيهِ حِينَ دُعُوا إِلَيْهِ وَهُمْ سَالِمُو الأَطْرَافِ وَالْمَفَاصِلِ.

    ï´؟خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْï´¾ أَيْ ذَلِيلَةً وَخَاضِعَةً ï´؟تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌï´¾ أَيْ تَغْشَاهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَوُجُوهُهُمْ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ وَتَسْوَّدُ وُجُوهُ الْكَافِرِينَ ï´؟وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَï´¾ أَيْ فِي الدُّنْيَا ï´؟إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَï´¾ أَيْ مُعَافَوْنَ أَصِحَّاءَ.



    ï´؟فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِï´¾ أَيِ الْقُرْءَانِ، وَالْمَعْنَى: كِلْ يَا مُحَمَّدُ أَمْرَ هَؤُلاَءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْءَانِ إِلَيَّ أَكْفِكَ أَمْرَهُ، أَيْ حَسْبُكَ فِي الإِيقَاعِ بِهِمْ وَالاِنْتِقَامِ مِنْهُمْ أَنْ تَكِلَ أَمْرَهُمْ إِلَيَّ فَإِنِّي عَالِمٌ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ مِنَ الْعَذَابِ، وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ يُكَذِّبُ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ وَغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ: "زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَإِذَا قُلْنَا إِنَّهُ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ فَلاَ نَسْخَ" ا.هـ.

    ï´؟سَنَسْتَدْرِجُهُمï´¾ أَيْ نَأْخُذُهُمْ دَرَجَةً دَرَجَةً وَذَلِكَ إِدْنَاؤُهُمْ مِنَ الشَّىءِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُدْنِيهِمْ مِنَ الْعَذَابِ دَرَجَةً دَرَجَةً حَتَّى يُوقِعَهُمْ فِيهِ ï´؟مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَï´¾ وَاسْتِدْرَاجُ اللَّهِ تَعَالَى الْعُصَاةَ أَنْ يَرْزُقَهُمُ الصِّحَّةَ وَيَفْتَحَ بَابًا مِنَ النِّعْمَةِ يَغْتَبِطُونَ بِهِ وَيَرْكُنُونَ إِلَيْهِ وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ تَفْضِيلاً لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ سَبَبٌ لإِهْلاَكِهِمْ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ بِحَيْثُ كُلَّمَا ازْدَادَ ذَنْبًا جَدَّدَ اللَّهُ لَهُ نِعْمَةٌ وَأَنْسَاهُ التَّوْبَةَ وَالاِسْتِغْفَارَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدْرَاجًا بِحَيْثُ لاَ يَشْعُرُ الْعَبْدُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاجٌ.



    ï´؟وَأُمْلِي لَهُمْï´¾ أَيْ أَمْهِلُهُمْ وَأُطِيلُ لَهُمُ الْمُدَّةَ ï´؟إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌï´¾ أَيْ إِنَّ عَذَابِي لَقَوِيٌّ شَدِيدٌ.

    ï´؟أَمْ تَسْأَلُهُمْï´¾ أَيْ أَتَسْأَلُ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ وَدَعْوَتَهُمْ إِلَيْهِ مِن الْحَقِّ ï´؟أَجْرًاï´¾ أَيْ ثَوَابًا وَجَزَاءً ï´؟فَهُم مِّنْ مَّغْرَمٍï´¾ أَيْ مِنْ أَنْ يَغْرَمُوا لَكَ الأَجْرَ ï´؟مُّثْقَلُونَï´¾ قَدْ أَثْقَلَهُمُ الْقِيَامُ بِأَدَائِهِ، وَمَعْنَى الآيَةِ: أَتَطْلُبُ مِنْهُمْ أَجْرًا فَيَثْقُلَ عَلَيْهِمْ حَمْلُ الْغَرَامَاتِ فِي أَمْوَالِهِمْ فَيُثْبِطَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الإيِمَانِ فَلاَ يُؤْمِنُونَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِّ أَيْ لَسْتَ تَطْلُبُ أَجْرًا عَلَى تَبْلِيغِ الْوَحْيِ فَيَثْقُلَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَيَمْتَنِعُوا عَنِ الدُّخُولِ فِي الَّذِي دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الدِّينِ.




    ï´؟أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُï´¾ أَيِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي فِيهِ الْغَيْبُ ï´؟فَهُمْ يَكْتُبُونَï´¾ مِنْهُ مَا يَقُولُونَ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ عَلَى سَبِيلِ الإِنْكَارِ.

    ï´؟فَاصْبِرْï´¾ يَا مُحَمَّدُ ï´؟لِحُكْمِ رَبِّكَï´¾ أَيْ لِقَضَاءِ رَبِّكَ الَّذِي هُوَ ءَاتٍ، وَامْضِ لِمَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ وَلاَ يُثْنِيكَ عَنْ تَبْلِيغِ مَا أُمِرْتَ بِتَبْلِيغِهِ تَكْذِيبُهُمْ إِيَّاكَ وَأَذَاهُمْ لَكَ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيُّ: "قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الصَّبْرِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ" ا.هـ ثُمَّ رَدَّهُ أَيِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.



    ï´؟وَلاَ تَكُنْï´¾ يَا مُحَمَّدُ ï´؟كَصَاحِبِ الْحُوتِï´¾ وَهُوَ سَيِّدُنَا يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الَّذِي حَبِسَهُ الْحُوتُ فِي بَطْنِهِ، وَكَانَ مِنْ قِصَّتِهِ أَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ إِلَى الْعِرَاقِ امْتِثَالاً لأِمْرِ اللَّهِ لِيُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَدَعَا هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى دِينِ الإِسْلاَمِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَتَرْكِ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، كَذَّبُوهُ وَتَمَرَّدُوا وَأَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لِدَعْوَتِهِ، وَبَقِيَ يُونُسُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ صَابِرًا عَلَى الأَذَى يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَيُذَكِّرُهُمْ وَيَعِظُهُمْ، وَلَكِنَّهُ مَعَ طُولِ مُكْثِهِ مَعَهُمْ لَمْ يَلْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ عِنَادًا وَإِصْرَارًا عَلَى كُفْرِهِمْ وَوَجَدَ فِيهِمْ ءَاذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا وَوَقَفُوا مُعَارِضِينَ لِدَعْوَتِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَيِسَ سَيِّدُنَا يُونُسُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مِنْهُمْ بَعْدَمَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِمْ وَخَرَجَ مِنْ أَظْهُرِهِمْ وَظَنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَنْ يُؤَاخِذَهُ عَلَى هَذَا الْخُرُوجِ مِنْ بَيْنِهِمْ وَلَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَرْكِهِ لأِهْلِ هَذَهِ الْقَرْيَةِ وَهَجْرِهِ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْخُرُوجِ. وَلَمَّا أَصَابَ نَبِيَّ اللَّهِ يُونُسَ مَا أَصَابَهُ مِنِ ابْتِلاَعِ الْحُوتِ عَلِمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ حَصَلَ لَهُ ابْتِلاَءً لَهُ بِسَبَبِ اسْتِعْجَالِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِدُونِ إِذْنِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمْ فَوَجَدَهُمْ مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ تَائِبِينَ إِلَيْهِ فَمَكَثَ مَعَهُمْ يُعَلِّمُهُمْ وَيُرْشِدُهُمْ.



    فَائِدَةٌ: سَيِّدُنا يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ لأِنَّهُمْ كَذَّبُوهُ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِدَعْوَتِهِ وَأَصَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ فَإِنَّ هَذَا كُفْرٌ وَضَلاَلٌ، لاَ يَجُوزُ نِسْبَتُهُ لأِنْبِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ وَجَعَلَهُمْ هُدَاةٌ مُهْتَدِينَ عَارِفِينَ بِرَبِّهِمْ، فَمَنْ نَسَبَ إِلَى يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ ذَهَبَ مُغَاضِبًا لِلَّهِ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ وَنَسَبَ إِلَيْهِ الْجَهْلُ بِاللَّهِ وَالْكُفْرُ بِهِ وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ عَلَى الأَنْبِيَاءِ لأِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا.

    ï´؟إِذْ نَادَىï´¾ حِينَ دَعَا رَبَّهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ فَقَالَ: »لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ« ï´؟وَهُوَ مَكْظُومٌï´¾ أَيْ مَمْلُوءٌ غَيْظًا عَلَى قَوْمِهِ إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَى الإيِمَانِ وَأَحْوَجُوهُ إِلَى اسْتِعْجَالِ مُفَارَقَتِهِ إِيَّاهُمْ.



    ï´؟لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُï´¾ أَيْ أَدْرَكَهُ ï´؟نِعْمَةٌï´¾ أَيْ رَحْمَةٌ ï´؟مِّن رَّبِّهِï´¾ أَيْ لَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ وَقَبُولِ عُذْرِهِ ï´؟لَنُبِذَï´¾ أَيْ لَطُرِحَ مِنَ بَطْنِ الْحُوتِ ï´؟بِالْعَرَآءِï´¾ أَيْ بِالأَرْضِ الْوَاسِعَةِ الْفَضَاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا جَبَلٌ وَلاَ شَجَرٌ يَسْتُرُ ï´؟وَهُوَ مَذْمُومٌï´¾ أَيْ مُلِيمٌ وَلَكِنَّهُ رُحِمَ فَنُبِذَ غَيْرَ مَذْمُومٍ لأِنَّهُ تِيْبَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ.

    وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: ï´؟لَوْلاَ أَنْ تَدَارَكَتْهُï´¾ بِتَاءٍ خَفِيفَةٍ وَبِتَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْكَافِ مَعَ تَخْفِيفِ الدَّالِ، وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ: ï´؟تَدَارَكَهُï´¾ بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ خَفِيفَةٍ مَعَ تَشْدِيدِ الدَّالِ، وَقَرَأَ أُبَيْ بنُ كَعْبٍ: ï´؟تَتَدَارَكَهُï´¾ بِتَائَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.

    ï´؟فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُï´¾ أَيِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ ï´؟فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَï´¾ أَيْ مِنَ الْمُسْتَكْمِلِينَ لِصِفَاتِ الصَّلاَحِ، وَقِيلَ مِنَ النَّبِيِّينَ.


    ï´؟وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْï´¾ وَفِي مَعْنَى الآيَةِ لِلْمُفَسِّريِنَ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكُفَّارَ قَصَدُوا أَنْ يُصِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَيْنِ فَعَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ، وَقِيلَ: إِنَّ الْكُفَّارَ مِنْ شِدَّةِ إِبْغَاضِهِمْ لَكَ وَعَدَاوَتِهِمْ يَكَادُونَ بِنَظَرِهِمْ إِلَيْكَ نَظَرَ الْبَغْضَاءِ أَنْ يُزْلِقَهُ مِنْ شِدَّتِهِ، يُقَالُ نَظَرَ فُلاَنٌ إِلَيَّ نَظَرًا كَادَ يَأْكُلُنِي وَكَادَ يَصْرَعُنِي. وَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ إِصَابَتُهَا وَتَأْثِيرُهَا حَقٌّ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ] ، أَيِ الإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ شَىءٌ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ.

    وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّآمَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَآمَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لآمَّةٍ». وَقَرَأَ الأَكْثَرُونَ: ï´؟لَيُزْلِقُونَكَï´¾ بِضَمِّ اليَّاءِ مِنْ أَزْلَقْتُهُ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَبَانُ بِفَتْحِهَا مِنْ زَلَقْتُهُ أَزْلِقُهُ، وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ عِنْدَ الْعَرَبِ.



    ï´؟لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَï´¾ أَيْ لَمَّا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ يُتْلَى وَهُوَ الْقُرْءَانُ ï´؟وَيَقُولُونَï´¾ مِنْ شِدَّةِ كَرَاهِيَتِهِمْ وَبُغْضِهِمْ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ï´؟إِنَّهُ لَمَجْنُونٌï´¾ أَيْ يَنْسُبُونَهُ إِلَى الْجُنُونِ إِذَا رَأَوْهُ يَقْرَأُ الْقُرْءَانَ يَقُولُونَ ذَلِكَ تَنْفِيرًا عَنْهُ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَمُّهُمْ فَضْلاً وَأَرْجَحُهُمْ عَقْلاً، قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ ï´؟وَمَا هُوَï´¾ يَعْنِي الْقُرْءَانَ ï´؟إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَï´¾ أَيْ مَوْعِظَةٌ لِلإِنْسِ وَالْجِنِّ يَتَّعِظُونَ بِهِ وَيَسْتَنْبِطُونَ مِنْهُ صَلاَحَ أَحْوَالِهِمُ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَمَنْ كَانَ يُظْهِرُ مِثْلَ هَذَا الَّذِي فِيهِ الْهُدَى وَالْحَقُّ وَالْعَدْلُ وَالسَّعَادَةُ الأُخْرَوِيَّةُ وَيَتْلُوهُ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا فِيهِ كَيْفَ يُقَالُ فِي حَقِّهِ إِنَّهُ مَجْنُونٌ وَالْحَالُ أَنَّهُ مِنْ أَدَلِّ الأُمُورِ عَلَى كَمَالِ عَقْلِهِ وَعُلُوِّ شَأْنِهِ، فَمَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُصُورَ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جَهْلِهِ وَخَيْبَتِهِ فَإِنَّ ذَا الْفَضْلِ لاَ يَعْرِفُهُ إِلاَّ ذَوُوهُ، وَلَقَدْ قِيلَ:


    إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ فَلاَ غَرْوَ أَنْ يَرْتَابَ وَالصُّبْحُ مُسْفِر
    مواضيع ذات صلة

    #2
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بارك الله فيك وفي دفتر أعمالك يارب أختي جمانة
    تعليق

      #3
      شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . اختي جمانة
      تعليق

      • جمانة
        جمانة تم التعليق
        تعديل التعليق
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        الله يبارك فيك اخي بوشاهين شكرا لك
    يتصفح هذا الموضوع الآن
    تقليص

    المتواجدون الآن 1. الأعضاء 0 والزوار 1.

    يعمل...
    X