الكشف والعلاجات والاستشارات الاتصال بالشيخ الدكتور أبو الحارث (الجوال):00905397600411
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
X

رُب صداقة ظاهرة باطنها عداوة كامنة

مملكة المواضيع العامة

 
  • تصفية
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة


    زعموا أن شجرة عظيمة كان في أصلها جحر سنِّور يقال له
    "رومي",
    وكان قريبا منه جحر جرذ يقال له
    "فريدون",
    وكان الصيادون كثيرا ما يتداولون
    (يأتونه مرارا)
    ذلك المكان يصيدون فيه الوحش والطير,
    فأتى ذات يوم صياد فنصب شِركه قريبا من موضع السنور,
    فلم يلبث أن وقع فيها,
    فخرج الجرذ يدب ويطلب ما يأكل وهو حذر من السنور,
    فبينما هو يسعى, إذ بصر به في الشرك, فسر واستبشر,
    ثم التفت فرأى
    خلفه ابن عرس يريد أخذه,
    وفي الشجرة بوماً يريد اختطافه,
    فتحير في أمره وخاف
    إن رجع وراءه أخذه ابن عرس,
    وإن ذهب يمينا أو شمالا اختطفه البوم,
    وإن تقدم أمامه افترسه السنور,
    فقال في نفسه:
    هذا بلاء قد اكتنفني,
    وشرور تظاهرت علي,
    ومحن قد أحاطت بي,
    وبعد ذلك فمعي عقلي فلا يفزعني أمري,
    ولا يهولني شأني,
    فالعاقل لا يخاف عند سداد رأيه,
    وإنما العقل شبيه بالبحر الذي لا يدرك غوره,
    وتحقق الرجاء لا ينبغي أن يبلغ منه مبلغا يبطره ويسكره فيلتبس عليه أمره.
    ولست أرى لي من هذا البلاء مَخلصا إلا
    مصالحة السنور,
    فإنه قد نزل به من البلاء مثل ما قد نزل بي أو بعضه,
    ولعلنا إن سمع كلامي الذي أكلمه به,
    ووعى عني صحيح خطابي ومحض صدقي
    الذي لا خلاف فيه ولا خداع معه ففهمه وطمع في معونتي إياه,
    نخلص جميعاً.
    ثم إن الجرذ دنا من السنور فقال له:
    كيف حالك؟ ,
    قال له السنور:
    كما تحب..! في ضنك وضيق..!!
    قال:
    وأنا اليوم شريكك في البلاء, ولست أرجو لنفسي خلاصا
    إلا بالذي أرجو لك فيه الخلاص,
    وكلامي هذا ليس فيه كذب ولا خديعة,
    فأبن العرس ها هو كامن لي, والبوم يرصدني,
    وكلاهما لي ..و لك عدو,
    وإني وإياك وإن كنا مختلفي الطباع, لكننا متفقا الحالة,
    والذين حالتهم واحدة وطباعهم مختلفة
    تجمعهم الحالة وإن فرقتهم الطباع,
    فإن أنت جعلت لي الأمان
    قطعت حبائلك وخلصتك من هذه الورطة,
    فإن كان ذلك, تخلص كل واحد منا بسبب صاحبه,
    كالسفينة والركاب في البحر, فبالسفينة ينجون, وبهم تنجو السفينة.

    فلما سمع السنور
    كلام الجرذ وعرف إنه صادق
    قال له:
    إن قولك هذا لشبيه بالحق,
    وأنا أيضا راغب فيما أرجو لك ولنفسي به الخلاص,
    ثم إنك إن فعلت ذلك فسأشكرك ما بقيت.

    قال الجرذ:
    فإني سأدنو منك فأقطع الحبال كلها إلا حبلا واحدا..!
    أبقيه لاستوثق لنفسي منك.
    وأخذ في تقريض حبائله,
    ثم إن البوم وأبن عرس
    لما رأيا دنو الجرذ من السنور يأسا (قطعا الأمل) منه وانصرفا,
    ثم أن الجرذ أبطأ على السنور في قطع الحبائل,
    فقال له:
    مالي لا أراك جاداً في قطع حبائلي,
    فإن كنتَ قد ظفرت بحاجتك
    فتغيرت عما كنت عليه وتوانيت في حاجتي,
    فما ذلك من فعل الصالحين,
    فإن الكريم لا يتوانى في حق صاحبه,
    وقد كان لك في سابق مودتي من الفائدة والنفع
    ما قد رأيت وأنت أهل لأن تكافئني بذلك
    ولا تذكر العداوة التي بيني وبينك,
    فالذي بيني وبينك من الصلح حقيق أن ينسيك ذلك
    مع ما في الوفاء من الفضل والأجر,
    وما في الغدر من سوء العاقبة,
    فإن الكريم لا يكون إلا شكورا غير حقود
    تنسيه الخلة (الخصلة) الواحدة من الإحسان الخِلال الكثيرة
    من الإساءة,
    وقد يُقال:
    إن أعجل العقوبة عقوبة الغدر,
    ومن إذا تُضُرِّع إليه وسُئِل العفو فلم يرحم ولم يعف,
    فقد غدر.

    قال الجرذ:
    إن الصديق صديقان, طائع ومضطر,
    وكلاهما يلتمسان المنفعة ويحترسان من المضرة,
    فأما الطائع فيُستَرسَل (يطمئن) إليه ويُؤَمن في جميع الأحوال,
    وأما المضطر ففي بعض الأحوال يُستَرسَل إليه,
    وفي بعضها يتحذر منه.

    ولا يزال العاقل يرتهن منه بعض حاجاته لبعض ما يتقي ويخاف,
    وليس غاية التواصل من كل المتواصلين إلا طلب عاجل النفع وبلوغ مأموله,
    وأنا وافٍ لك بما وعدتك ومحترس منك مع ذلك من حيث أخافك
    تخوف أن يصيبني منك ما ألجأني خوفه إلى مصالحتك,
    وألجأك إلى قبول ذلك مني,
    فإن لكل عمل حينا,
    فما لم يكن منه في حينه فلا حُسن لعاقبته,
    وأنا قاطع حبائلك كلها غير إني تارك عقدة ارتهنك بها,
    ولا أقطعها إلا في الساعة التي أعلم أنك فيها عني مشغول,
    وذلك عند معاينتي الصياد.

    ثم إن الجرذ أخذ في قطع حبال السنور, فبينما هو كذلك,
    إذ وافى الصياد,
    فقال له السنور:
    الآن جاء وقت الجد في قطع حبائلي,
    فجهد الجرذ نفسه في القرض حتى إذا فرغ وثب السنور إلى الشجرة على دهش
    (حيرة) من الصياد,
    ودخل الجرذ بعض الأجحار, وجاء الصياد فأخذ حبائله مقطعة, وانصرف خائباً.
    ثم أن الجرذ حرج بعد ذلك من وكره خائفا أن يدنو من السنور,
    فناداه السنور:
    أيها الصديق الناصح ذو البلاء (الاختبار) الحسَن عندي,
    ما منعك من الدنو إلي لأجازيك بأحسن ما أسديت إلي,
    هلُم إلي ولا تقطع إخائي, فإنه من أتخذ صديقا وقطع إخاءه وأضاع صداقته,
    حُرِم ثمرة إخاءه, وأيس من نفعه الإخوان والأصدقاء,
    وإن يدك (نعمتك) عندي لا تُنسى,
    وأنت حقيق أن تلتمس مكافأة ذلك مني ومن إخواني وأصدقائي ولا تخاف مني شيئاً.
    واعلم أن ما قِبَلي (عندي) لك مبذول.

    فناداه الجرذ:
    رُب صداقة ظاهرة باطنها عداوة كامنة, وهي أشد من العداوة الظاهرة!,
    ومن لم يحترس منها وقع موقع الرجل الذي يركب ناب الفيل الهائج,
    ثم يغلبه النعاس فيستيقظ تحت فراسن (أقدام) الفيل, فيدوسه ويقتله.

    وإنما سُمي الصديق صديقاً
    لما يُرجى من صدقه ونفعه,
    وسُمي العدو عدواً
    لِما يُخاف من اعتدائه وضرره,
    والعاقل
    إذا رجا نفع العدو, أظهر له الصداقة,
    وإذا خاف ضرر الصديق, أظهر له العداوة.

    ألا ترى تتبُع البهائم أمَّاتها (أمهاتها) رجاء ألبانها,
    فإذا انقطع ذلك انصرفت عنها,
    وربما قطع الصديق عن صديقه بعض ما كان يصلُه منه فلم يخَف شره,
    لأن أصل أمره لم يكن عداوة,
    فأما من كان أصل أمره عداوة جوهرية,
    ثم أحدث صداقة لحاجة حملته على ذلك,
    زالت صداقته فتحولت وصارت إلى أصل أمره,
    كالماء الذي يسخن بالنار,
    فإذا رُفِع عنها عاد بارداً.

    وأكمل هذا الجرذ "الحكيم جداً" كلامه قائلا:

    وليس من أعدائي عدو لي منك,
    وقد اضطرني وإياك حاجة إلى ما أحدثنا من المصالحة,
    وقد ذهب الأمر الذي احتجتَ إلي واحتجتُ إليك فيه,
    وأخاف أن يكون مع ذهابه عودة العداوة,
    ولا خير للضعيف في قرب القوي,
    ولا للذليل في قرب العدو العزيز.

    ولا أعلم لك قِبَلي حاجة إلا أن تكون تريد أكلي,
    ولا أعلم لي قِبَلك حاجة,
    وليس عندي بك ثقة.
    فإني قد علمت أن الضعيف المحترس (المتحفظ والمتوقي) من العدو القوي
    أقرب إلى السلامة من القوي إذا اغتر بالضعيف واسترسل إليه,
    والعاقل يصالح عدوه إذا اضطر إليه ويصانعه (يحاسنه ويداريه) ويظهر له وده
    ويريه من نفسه الاسترسال (الثقة والتسليم) إليه إذا لم يجد من ذلك بُداً,
    ثم يعجل الانصراف عنه حين يجد إلى ذلك سبيلاً.

    واعلم أن
    سريع الاسترسال لا تُقال عثرته,
    والعاقل يفي لمن صالحه من أعدائه بما جعل له من نفسه ولا يثق به كل الثقة,
    ولا يأمنه على نفسه مع القرب منه,
    وينبغي أن يبعد عنه ما استطاع,
    وأنا أودك (أحفظ لك وداً) من بعيد وأحب لك من البقاء والسلامة
    ما لم أكن أحبه لك من قبل,
    وليس عليك أن تجازيني على صنيعي إلا بمثل ذلك,
    إذ لا سبيل إلى اجتماعنا.
    مواضيع ذات صلة

    #2
    سلمتي للمنتدى

    تقبلي تحياتي
    تعليق

      #3
      شـكــ وبارك الله فيكي ـــرا لك ... لكي مني أجمل تحية .
      تعليق

        #4
        شـكــ وبارك الله فيكي ـــرا لك ... لكي مني أجمل تحية .
        تعليق

          #5
          نورت صفحتى اختى بنت مستورة بطلتك الرائعة ......
          تعليق

            #6
            شاكرة لك اخى بو شاهين هذا المرور العطر......
            تعليق
            يتصفح هذا الموضوع الآن
            تقليص

            المتواجدون الآن 1. الأعضاء 0 والزوار 1.

            يعمل...
            X