نبوة إبراهيم ورسالته ونشأته
على الإيمان وعدم شكّه بالله تعالى وبقدرته
اختارَ الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام وجعله نبيًّا رسولاً واصطفاه لهداية قومه ودعوتهم إلى دين الإسلام وتوحيد الله وترك عبادة الكواكب والأصنام التي لا تخلق شيئًا ولا تستحق العبادة، لأن الذي يستحقّ العبادة وحده هو الله تبارك وتعالى خالق كل شىء.
وقد كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام كغيره من الأنبياء منذ صغره ونشأته مسلمًا مؤمنًا عارفًا بربّه معتقدًا عقيدة التوحيد مُنزّهًا ربَّه عن مشابهة المخلوقات، ومُدركًا أن هذه الأصنام التي يعبدها قومُه لا تُغني عنهم من الله شيئًا، وأنَّها لا تضرّ ولا تنفع لأن الضارّ النافع على الحقيقة هو الله تعالى وحده. يقول الله تبارك وتعالى في حق إبراهيم عليه السلام :{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (سورة ءال عمران/67)، وقال الله تعالى :{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ} (سورة الأنبياء/51).
ولقد كان نبي الله إبراهيم عليه السلام مفعم النفس بالإيمان بربه وعارفًا به ممتلىء الثقة بقدرة الله وأن الله تعالى قادر على كل شىء لا يعجزة شىء، وكان غير شاكّ ولا مُرتاب بوجود الله سبحانه مؤمنًا بما أوحي إليه من بَعث الناس بعد موتهم يوم القيامة وحسابهم في الحياة الأخرى على أعمالهم وما قدموا في هذه الحياة الدنيا.
فائدة: قال الله تعالى :{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة البقرة/260).
ومعناه أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان مؤمنًا ومصدّقًا بقلبه تصديقًا جازمًا لا ريب فيه أن الله تبارك وتعالى قادرٌ على إحياء الموتى وإعادة الخلق يوم القيامة، ولكنه أراد أن يزداد بصيرةً ويقينًا فسأل الله تعالى أن يُريه كيف يحيي الموتى بعد مَوتهم، وقول الله تعالى :{أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي أنا مؤمن غير شاكّ ولا مُرتاب ولكن تاقت نفسي لأن أرى بعينيَّ ليطمئنَّ قلبي ويزداد يقيني، فمعنى قول إبراهيم "ليطمئن قلبي" أي ليطمئنَّ قلبي بإجابة طلبي، لأنَّه من الجائز أن يعطي الله تعالى بعض الأنبياء جميعَ ما طلب أو أن يعطيَه بعضَ ما طلب ولا يعطيه بعضًا، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أشرفُ خَلق الله وأكرمُهم على الله ما أُعطي جميعَ ما طلب، بل أُعطي بعضَ ما طلب ومُنع بعض ما طلب، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام ما كان جازمًا وقاطعًا في نفسه بأن الله يعطيه ما سأل، لكنَّه كان مُؤمنًا بأن الله تبارك وتعالى قادرٌ على ذلك، لكن كان عنده احتمال أن الله يريه كيف يحيي الموتى واحتمال أنّه لا يريه، فأجابَ الله تبارك وتعالى سؤال إبراهيم عليه السلام وأمرَه أن يأخذ أربعةً من الطير ويتعرف على أجزائها ثم يُفرقها أشلاء وأجزاء ويجعل على كل جبل منهنّ جُزءًا ثم يدْعوهنَّ إليه فيأتينه سعيًا بإذن الله،
فلمَّا فعل إبراهيمُ خليلُ الرحمنِ ما أمره الله تعالى صارَ كلُّ جُزءٍ ينضمّ إلى مثلهِ وعادت الأشلاء والأجزاء كما كانت وعادت الروحُ إلى كل طير، ورجعت الطيور الأربعة بقدرة الله تعالى ومشيئته إلى إبراهيم عليه السلام، وهو يرى ءايات الله البينات وءاثار قدرته العظيمة التي تدل أنه تعالى لا يعجزه شىء في الأرض ولا في السماء فتبارك الله أحسن الخالقين أي أحسن المقدّرين.