بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مُعزِّ مَنْ اطاعه ، ومُذلّ مَنْ عصاه .
أحمده سبحانه حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه ، كما يُحبُّ ربُّنا ويرضى .
وأصلي وأُسلّم على من بعثه ربه هاديا ومُبشّرا ونذيرا ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجا منيرا
لقد اقتضت حكمة الله أنه ما ارتفع شيء مِن الدنيا إلاَّ وضعه الله
قال مَن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم : حقٌّ على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلاَّ وَضَعَه . رواه البخاري .
واقتضت حكمته أنَ مَن اعتزّ بِغير الله ذلّ .
روى الإمام أحمد في " الزهد " من طريق عن جبير بن نفير قال : لَمَّا فُتحت قبرص وفُرِّق بين أهلها ، فبكى بعضهم إلى بعض ، رأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي فقلت : يا أبا الدرداء ما يُبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال : ويحك يا جبير ! ما أهون الخلق على الله إذا هُم تركوا أمره ، بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمْر الله عز وجل فصاروا إلى ما ترى .
وقال جعفر بن محمد : مَن أخْرَجَه الله مِن ذُلّ الْمَعْصِية إلى عِزّ التَّقْوى أغْنَاه الله بِلا مَال ، وأعَزّه بلا عَشِيرَة ، وآنَسَه بلا أنِيس .
وقال يحيى بن أبي كَثير : كَان يُقَال : مَا أكْرَم العِبَاد أنْفُسَهم بِمِثْل طَاعَة الله ، ولا أهَانَ العِبَاد أنْفُسَهم بِمِثْل مَعْصِيَة الله .
وقال الحسن البصري : أبَى الله عَزَّ وَجَلَّ إلاَّ أن يُذِلّ مَن عَصَاه .
قال القرطبي : فَمَن طَلَب العِزَّة مِن الله وصَدَقَه في طَلَبها بافْتِقَار وذُلّ وسُكُون وخُضُوع وَجَدَها عِنْده - إن شاء الله - غير مَمْنُوعَة ولا مَحْجُوبَة عنه . قال صلى الله عليه وسلم : مَن تَواضع لله رَفَعه الله . ومَن طَلبها مِن غَيره وَكَلَه إلى مَن طَلَبها عِنده . وقد ذَكَرَ قَومًا طَلَبُوا العِزَّة عند مَن سِواه ، فقال : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) ، فأنْبَأك صَرِيحا لا إشْكَال فيه أنَّ العِزَّة له يُعِزّ بِها مَن يَشاء ، ويُذِلّ مَن يَشاء .
وقال : فَمَن كَان يُرِيد العِزَّة لِيَنَال الفَوْز الأكْبَر ويَدخُل دَار العِزَّة - ولله العِزَّة - فَلْيَقْصد بالعِزَّة الله سبحانه والاعْتِزَاز به ، فإنه مَن اعْـتَزّ بالعَبْد أذَلَّه الله ، ومَن اعْـتَزّ بِالله أعَـزَّه الله . اهـ .
ومَن اعتزّ بالكفّار أذلّه الله ، وأذاقه الذلّ والصَّغار على أيديهم !
ذلك أن حكمة الله اقتضَت أن مَن أعان ظالِمَا سلّطه الله عليه .
قال الثعلبي : والذين آمَنُوا بألْسِنَتِهم مِن غَير مُوَاطَأة قُلُوبِهِم كَانوا يَتَعَزَّزُون بِالْمُشْرِكِين ، كَمَا قَال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) . اهـ .
وقال الزمخشري : الْمَذَلَّة والْهَوَان للشَّيْطَان وذَوِيه مِن الكَافِرِين والْمُنَافِقِين . اهـ .
واعتزت أُمَم بِقُوّتَها فأذَلَّها الله ، وأتَى الله بُنْيَانهن مِن القواعد فَخَرَّ عليهم السقف ..
(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) ..
وتلك مصارِع الأُمم شاهدة على أن مَن يُغالِب اله يُغلَب ، وأن مَن اعتَزّ بغير الله ذلّ ..
تلك " عاد " التي اعْتَزَّت بِقُوَّتِها ، فقالت بكبرياء وتَجَبُّر : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فأتاهم الجواب : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) وكانت عاقبة الطُّغيان والْجَبَرُوت : (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) ..
أهلكهم الله بأخفّ الأشياء وألطفها ، وهي الريح ، إلاّ أنها كانت ريحا عاتية ..
وأما " ثمود " فاعْتَدّوا بِبُنيانهم ، وقد ذَكّرهم نَبِيُّهم عليه الصلاة والسلام بِقوله : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) .
وبَلَغ بهم الاعتداد بِقُوّتهم أن اسْتَمْطَروا العذاب ، فقالوا : (يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) فكان هلاكهم بِالصيحة : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) .
واعْتَزّ شيخ الطُّغاة " فِرعون " بِكثرة قومه ، وبأن أنهار مصر تجري مِن تحته .. فأخرجه الله منها ذليلا صاغِرا .. وأغرقه في الماء الذي كان يزعم أنه يملكه !
وأوْرَث الله بني إسرائيل ما كان فيه فرعون (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ) ، فما كان لهم مِن عزاء ، ولا كان عليهم مِن باكٍ .. (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) .
وتحصّنت اليهود في حصونها ، وظنّوا أن لهم فيها مَنَعَة .. فأتاهم الله من حيث لم يحت سِبوا ..
(وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) .
واعْتَزَّت قُريش بِكَثْرتها ، فقالت : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ، فأذَلّها الله حتى جاءت تستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم وتَسْأله الطعام .. كما في قصة إسلام ثُمَامة بن أثال رضي الله عنه ، وهي مُخرّجة في الصحيحين .
ولعلها أثَر دعوته صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ " رواه البخاري ومسلم .
قال البغوي : فابْتَلاهم الله عز وجل بالقَحْط حتى أكَلُوا الكِلاب والْجِيَف . اهـ .
وفيهم قال الله عَزّ وَجَلّ : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) .
قال ابن كثير : هذا مثل أريد به أهل مكة . اهـ .
ومَن اعتز بالكثرة ذلّ
ولقد عاب الله على أصحاب نَبِيِّه اغترارهم بِالكثرة ، فقال : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) ومهما طال ليل الظُّلْم .. فإن صُبْح العَدْل والانْتِصَاف منهم قَريب ..
ومهما طالت أيام الظالمين .. فإن نهايتهم وَشِيكة وأيامهم معدودة ..
ومهما قَويَت شوكة الطُّغيان .. فإنها مَكْسُورَة مَدْحُورة بإذن الله ..
والعزة لله وحده .....والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مُعزِّ مَنْ اطاعه ، ومُذلّ مَنْ عصاه .
أحمده سبحانه حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه ، كما يُحبُّ ربُّنا ويرضى .
وأصلي وأُسلّم على من بعثه ربه هاديا ومُبشّرا ونذيرا ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجا منيرا
لقد اقتضت حكمة الله أنه ما ارتفع شيء مِن الدنيا إلاَّ وضعه الله
قال مَن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم : حقٌّ على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلاَّ وَضَعَه . رواه البخاري .
واقتضت حكمته أنَ مَن اعتزّ بِغير الله ذلّ .
روى الإمام أحمد في " الزهد " من طريق عن جبير بن نفير قال : لَمَّا فُتحت قبرص وفُرِّق بين أهلها ، فبكى بعضهم إلى بعض ، رأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي فقلت : يا أبا الدرداء ما يُبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال : ويحك يا جبير ! ما أهون الخلق على الله إذا هُم تركوا أمره ، بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمْر الله عز وجل فصاروا إلى ما ترى .
وقال جعفر بن محمد : مَن أخْرَجَه الله مِن ذُلّ الْمَعْصِية إلى عِزّ التَّقْوى أغْنَاه الله بِلا مَال ، وأعَزّه بلا عَشِيرَة ، وآنَسَه بلا أنِيس .
وقال يحيى بن أبي كَثير : كَان يُقَال : مَا أكْرَم العِبَاد أنْفُسَهم بِمِثْل طَاعَة الله ، ولا أهَانَ العِبَاد أنْفُسَهم بِمِثْل مَعْصِيَة الله .
وقال الحسن البصري : أبَى الله عَزَّ وَجَلَّ إلاَّ أن يُذِلّ مَن عَصَاه .
قال القرطبي : فَمَن طَلَب العِزَّة مِن الله وصَدَقَه في طَلَبها بافْتِقَار وذُلّ وسُكُون وخُضُوع وَجَدَها عِنْده - إن شاء الله - غير مَمْنُوعَة ولا مَحْجُوبَة عنه . قال صلى الله عليه وسلم : مَن تَواضع لله رَفَعه الله . ومَن طَلبها مِن غَيره وَكَلَه إلى مَن طَلَبها عِنده . وقد ذَكَرَ قَومًا طَلَبُوا العِزَّة عند مَن سِواه ، فقال : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) ، فأنْبَأك صَرِيحا لا إشْكَال فيه أنَّ العِزَّة له يُعِزّ بِها مَن يَشاء ، ويُذِلّ مَن يَشاء .
وقال : فَمَن كَان يُرِيد العِزَّة لِيَنَال الفَوْز الأكْبَر ويَدخُل دَار العِزَّة - ولله العِزَّة - فَلْيَقْصد بالعِزَّة الله سبحانه والاعْتِزَاز به ، فإنه مَن اعْـتَزّ بالعَبْد أذَلَّه الله ، ومَن اعْـتَزّ بِالله أعَـزَّه الله . اهـ .
ومَن اعتزّ بالكفّار أذلّه الله ، وأذاقه الذلّ والصَّغار على أيديهم !
ذلك أن حكمة الله اقتضَت أن مَن أعان ظالِمَا سلّطه الله عليه .
قال الثعلبي : والذين آمَنُوا بألْسِنَتِهم مِن غَير مُوَاطَأة قُلُوبِهِم كَانوا يَتَعَزَّزُون بِالْمُشْرِكِين ، كَمَا قَال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) . اهـ .
وقال الزمخشري : الْمَذَلَّة والْهَوَان للشَّيْطَان وذَوِيه مِن الكَافِرِين والْمُنَافِقِين . اهـ .
واعتزت أُمَم بِقُوّتَها فأذَلَّها الله ، وأتَى الله بُنْيَانهن مِن القواعد فَخَرَّ عليهم السقف ..
(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) ..
وتلك مصارِع الأُمم شاهدة على أن مَن يُغالِب اله يُغلَب ، وأن مَن اعتَزّ بغير الله ذلّ ..
تلك " عاد " التي اعْتَزَّت بِقُوَّتِها ، فقالت بكبرياء وتَجَبُّر : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فأتاهم الجواب : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) وكانت عاقبة الطُّغيان والْجَبَرُوت : (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) ..
أهلكهم الله بأخفّ الأشياء وألطفها ، وهي الريح ، إلاّ أنها كانت ريحا عاتية ..
وأما " ثمود " فاعْتَدّوا بِبُنيانهم ، وقد ذَكّرهم نَبِيُّهم عليه الصلاة والسلام بِقوله : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) .
وبَلَغ بهم الاعتداد بِقُوّتهم أن اسْتَمْطَروا العذاب ، فقالوا : (يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) فكان هلاكهم بِالصيحة : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) .
واعْتَزّ شيخ الطُّغاة " فِرعون " بِكثرة قومه ، وبأن أنهار مصر تجري مِن تحته .. فأخرجه الله منها ذليلا صاغِرا .. وأغرقه في الماء الذي كان يزعم أنه يملكه !
وأوْرَث الله بني إسرائيل ما كان فيه فرعون (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ) ، فما كان لهم مِن عزاء ، ولا كان عليهم مِن باكٍ .. (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) .
وتحصّنت اليهود في حصونها ، وظنّوا أن لهم فيها مَنَعَة .. فأتاهم الله من حيث لم يحت سِبوا ..
(وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) .
واعْتَزَّت قُريش بِكَثْرتها ، فقالت : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ، فأذَلّها الله حتى جاءت تستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم وتَسْأله الطعام .. كما في قصة إسلام ثُمَامة بن أثال رضي الله عنه ، وهي مُخرّجة في الصحيحين .
ولعلها أثَر دعوته صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ " رواه البخاري ومسلم .
قال البغوي : فابْتَلاهم الله عز وجل بالقَحْط حتى أكَلُوا الكِلاب والْجِيَف . اهـ .
وفيهم قال الله عَزّ وَجَلّ : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) .
قال ابن كثير : هذا مثل أريد به أهل مكة . اهـ .
ومَن اعتز بالكثرة ذلّ
ولقد عاب الله على أصحاب نَبِيِّه اغترارهم بِالكثرة ، فقال : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) ومهما طال ليل الظُّلْم .. فإن صُبْح العَدْل والانْتِصَاف منهم قَريب ..
ومهما طالت أيام الظالمين .. فإن نهايتهم وَشِيكة وأيامهم معدودة ..
ومهما قَويَت شوكة الطُّغيان .. فإنها مَكْسُورَة مَدْحُورة بإذن الله ..
والعزة لله وحده .....والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته